سورة إبراهيم - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


{من ورائه جهنم} أَيْ: أمامه جهنَّم فهو يردها {ويُسقى من ماء صديد} وهو ما يسيل من الجرح مُختلطاً بالدَّم والقيح.
{يتجرَّعه} يتحسَّاه بالجرع لا بمرَّةٍ لمرارته {ولا يكاد يسيغه} لا يجيزه في الحلق إلاَّ بعد إبطاءٍ {ويأتيه الموت} أَيْ: أسباب الموت من البلايا التي تصيب الكافر في النَّار {من كلِّ مكان} من كلِّ شعرةٍ في جسده {وما هو بميت} موتاً تنقطع معه الحياة {ومن ورائه} ومن بعد ذلك العذاب {عذاب غليظ} متَّصل الآلام، ثمَّ ضرب مثلاً لأعمال الكفَّار فقال: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف} أَيْ: شديد هبوب الرِّيح، ومعنى الآية: إنَّ كلَّ ما تقرَّب به الكافر إلى الله تعالى فَمُحْبَطٌ غيرُ منتفعٍ به لأنَّهم أشركوا فيها غير الله سبحانه وتعالى، كالرَّماد الذي ذرته الرِّيح وصار هباءً لا يُنتفع به، فذلك قوله: {لا يقدرون مما كسبوا على شيء} أَيْ: لا يجدون ثواب ما عملوا. {ذلك هو الضلال البعيد} يعني: ضلال أعمالهم وذهابها، والمعنى: ذلك الخسران الكبير.
{ألم تر} يا محمد {أنَّ الله خلق السموات والأرض بالحق} أَيْ: بقدرته وصنعه وعلمه وإرادته، وكلُّ حقٌّ {إن يشأ يذهبكم} يُمتكم أيُّها الكفَّار {ويأت بخلق جديد} خيرٍ منكم وأطوع.
{وما ذلك على الله بعزيز} بممتنعٍ شديدٍ.


{وبرزوا لله جميعاً} خرجوا من قبورهم إلى المحشر {فقال الضعفاء} وهم الأتباع لأكابرهم الذين {استكبروا} عن عبادة الله: {إنَّا كنَّا} في الدُّنيا {لكم تبعاً فهل أنتم مغنون} دافعون {عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم} أَيْ: إنَّما دعوناكم إلى الضَّلال لأنَّا كنَّا عليه، ولو أرشدنا الله لأرشدناكم.
{وقال الشيطان} يعني: إبليس {لما قضي الأمر} فصار أهل الجنَّة في الجنَّة، وأهل النَّار في النَّار، وذلك أنَّ أهل النَّار حينئذٍ يجتمعون باللائمة على إبليس، فيقوم خطيباً ويقول: {إنَّ الله وعدكم وعد الحق} يعني: كون هذا اليوم، فصدقكم وعده {ووعدتكم} أنَّه غير كائنٍ {فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان} أَيْ: ما أظهرت لكم حجَّةً على ما وعدتكم {إلاَّ أن دعوتكم} لكن دعوتكم {فاستجبتم لي} فصدَّقتموني {فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} حيث أجبتموني من غير برهانٍ {ما أنا بمصرخكم} بمغيثكم {وما أنتم بمصرخي إني كفرتُ بما أَشْرَكْتُمونِ من قبل} بإشراككم إيَّاي مع الله سبحانه في الطَّاعة، إنَّي جحدت أن أكون شريكاً لله فيما أشركتموني {إنَّ الظالمين} يريد: المشركين. وقوله: {تحيتهم فيها سلام} يحييهم الله سبحانه بالسَّلام، ويحيي بعضهم بعضاً بالسَّلام.


{ألم تر كيف ضرب الله مثلاً} بيَّن شبهاً، ثمَّ فسَّره فقال: {كلمة طيبة} يريد: لا إله إلاَّ الله {كشجرة طيبة} يعني: النَّخلة {أصلها} أصل هذه الشَّجرة الطَّيِّبة {ثابت} في الأرض {وفرعها} أعلاها عالٍ {في السماء}.
{تؤتي} هذه الشَّجرة {أكلها} ثمرها {كلَّ حين} كلَّ وقتٍ في جميع السَّنة، ستة أشهرٍ طلعٌ رخص، وستة أشهرٍ رطبٌ طيِّبٌ، فالانتفاع بالنَّخلة دائمٌ في جميع السَّنة. كذلك الإِيمان ثابتٌ في قلب المؤمن، وعمله، وقوله، وتسبيحه عالٍ مرتفع إلى السَّماء ارتفاع فروع النَّخلة، وما يكتسبه من بركة الإِيمان وثوابه كما ينال من ثمرة النَّخلة في أوقات السَّنة كُلِّها من الرُّطَب والبسر والتَّمر {ويضرب الله الأمثال للناس} يريد: أهل مكَّة {لعلَّهم يتذكرون} لكي يتَّعظوا.
{ومثل كلمة خبيثة} يعني: الشِّرك بالله سبحانه {ك} مثل {شجرة خبيثة} وهي الكشوث {اجتثت} انتزعت واستؤصلت، والكشوت كذلك {من فوق الأرض} لم يرسخ فيها، ولم يضرب فيها بعرق. {ما لها من قرار} مستقرٌّ في الأرض. يريد: إنَّ الشَّرك لا ينتفع به صاحبه وليس له حجَّةٌ ولا ثباتٌ كهذه الشَّجرة.
{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} وهو قول لا إله إِلاَّ الله {في الحياة الدنيا} على الحقَّ {وفي الآخرة} يعني: في القبر يُلقِّنهم كلمة الحقِّ عند سؤال الملكين {ويضل الله الظالمين} لا يُلقِّن المشركين ذلك، حتى إذا سُئلوا في قبورهم قالوا: لا ندري {ويفعل الله ما يشاء} من تلقين المؤمنين الصَّواب وإضلال الكافرين.
{ألم تر إلى الذين بدَّلوا نعمة الله كفراً} بدَّلوا ما أنعم الله سبحانه عليهم به من الإِيمان ببعث الرسول صلى الله عليه وسلم كفراً حيث كفروا به {وأحلوا قومهم} الذين اتَّبعوهم {دار البوار} الهلاك، ثمَّ فسَّرها فقال: {جهنم يصلونها وبئس القرار} أَي: المقرُّ.
{وجعلوا لله أنداداً} يعني: الأصنام {ليضلوا عن سبيله} النَّاس عن دين الله {قل تمتعوا} بدنياكم {فإنَّ مصيركم إلى النار} وقوله: {لا بيع فيه} لا فداء فيه {ولا خلال} مخالة. يعني: يوم القيامة، وهو يوم لا بيعٌ فيه، ولا شراءٌ، ولا مُخالَّةٌ، ولا قرابةٌ، إنَّما هي أعمالٌ يُثاب بها قومٌ، ويعاقب عليها آخرون.

1 | 2 | 3 | 4